حروب رمسيس الثاني وتسخير بني إسرائيل
تمثال لرمسيس الثاني وهو يمسك بصولجان الحرب
الدكتور رشدي البدراوي
أستاذ بجامعة القاهرة وباحث وكاتب إسلامي
لقد تم تخصيص هذه المقالة لوصف حروب رمسيس الثاني وبالذات معركة قادش لما كان لها من انعكاسات على وضع بني إسرائيل في مصر. إذ فور أن عاد رمسيس الثاني من هذه المعركة حتى بدأت حملة ضاربة من التعذيب والتنكيل ببني إسرائيل بلغت مداها بإصدار أوامر بذبح المواليد الذكور وترك البنات، والذي أشار إليه القرآن الكريم:
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة: 49].
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [إبراهيم: 6].
وقد سبق أن ذكرنا أن ذلك التسخير هو أحد الأشياء التي يجب أن تتوافر في فرعون موسى واستبعدنا عدداً من النظريات لعدم توافر هذا الشرط وسنرى الآن أن رمسيس الثاني كان تقريباً الفرعون الوحيد الذي توافر لديه دافع قوي لإنزال هذا التعذيب الشديد ببني إسرائيل.
وذكرنا أن سياسة أخناتون أفقدت مصر إمبراطوريتها التي أسسها تحتمس الأول وتحتمس الثالث، ولما تولى حورمحب الحكم أعاد الانضباط إلى الإدارة الحكومية، وبدأت الأسرة التاسعة عشرة برمسيس الأول ثم خلفه سيتي الأول واعتبر الشعب توليه الحكم بداية عهد جديد ومن ثم أطلق عليه لقب ( مجدد الميلاد) وقاد حملات مظفرة في فلسطين والشام، ومن ثم بدأ الاحتكام بين مصر والحثيين في آسيا الصغرى الذين كانوا قد استولوا على شمال سوريا. ودارت معارك كان النصر فيها حليف سيتي الأول وعقد مع ملكهم معاهدة ودية، كما حمى مصر من غارات الليبيين في الغرب وعندما تولى رمسيس الثاني الحكم قام ملك خيتا بزيارة لمصر، ولا يُعرف السبب الحقيقي الذي كان وراء هذه الزيارة، هل هو تأكيد المعاهدة الودية التي أبرمها سيتي الأول معهم، أم هي لسبر غور الفرعون الجديد ومعرفة نواياه تجاههم، المهم أن الأموريين ( في شمال العراق ) قاموا بثورة ونقضوا ولاءهم لمملكة خيتا ( الحثيين) وولوا وجوههم شطر مصر لمعاونتهم، وتوترت العلاقات بين مصر وخيتا. وكان رمسيس الثاني يطمع في إعادة الإمبراطورية المصرية كما كانت في عهد تحتمس الثالث ومن ثم فقد قاد في السنة الرابعة من حكمه حملة لإخضاع الساحل الفينيقي ليتخذه قاعدة لتوسعاته المقبلة ووصل إلى نهر الكلب على مقربة من بيروت، ونقش على صخرة هناك ما يدل على وصوله إلى هذا المكان، وكان في هذا نقض للمعاهدة التي كانت معقودة بين سيتي الأول والده وملك خيتا، وأضمر رمسيس الثاني متابعة التوسع شمالاً، وفي العام التالي – أي العام الخامس من حكمه قاد حملة ثانية وهي الحملة التي وقعت فيها معركة قادش الشهيرة وكان ملك خيتا من جانبه قد توجس خيفة من رمسيس الثاني ولعله علم نواياه فاستعد لذلك وأعد جيشاً قوياً انخرط في سلكه كثير من المرتزقة، كما استمال إله أمراء الشام حتى لا يقوموا بطعنه من الخلف أثناء حربه مع المصريين.