فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل
صورة بالأقمار الصناعية لقرى قوم لوط
الدكتور المهندس منصور أبو شريعة العبادي
أستاذ في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
على الرغم من أن القرآن الكريم قد أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد ما يزيد على ألفين وخمسمائة عام من حادثة إهلاك قوم لوط عليه السلام (1800 عام قبل الميلاد) إلا أنه جاء بتفصيلات أكثر دقة عن طبيعة العذاب الذي حل بالقوم من تلك التي وردت في التوراة رغم أنها أنزلت بعد الحادثة بما لا يزيد عن خمسمائة عام. فقد ورد في التوراة الحالية نص وحيد يصف طبيعة هذا العذاب وهو في الاصحاح التاسع عشر من سفر التكوين حيث ذكر ما نصه: (وَإِذْ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ عَلَى الأَرْضِ دَخَلَ لُوطٌ إِلَى صُوغَرَ، 24فَأَمْطَرَ الرَّبُّ عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ. 25وَقَلَبَ تِلْكَ الْمُدُنَ، وَكُلَّ الدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ الْمُدُنِ، وَنَبَاتَِ الأَرْضِ. 26وَنَظَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ وَرَائِهِ فَصَارَتْ عَمُودَ مِلْحٍ).
أما القرآن الكريم فقد وردت فيه نصوص كثيرة جاءت موزعة في سور كثيرة كما هو الحال في الأسلوب القرآني وتتحدث هذه النصوص عن جوانب متعددة من قصة قوم لوط وطبيعة العذاب الذي حل بهم. وبما أن القرآن الكريم وكذلك التوراة هي كتب منزلة من الله عزوجل على رسله الكرام فلا بد من وجود اتفاق بين بعض الأحداث التي ذكرها القرآن مع تلك الأحداث غير المحرفة التي جاءت في التوراة. فالتوراة ذكرت على سبيل المثال حادثة لا يمكن أن يصدقها عاقل وهي قصة زنى لوط عليه السلام وهو مخمور ودون علمه بابنتيه لتلدا منه إبنين أحدهما هو أب الموآبيين والآخر أب العمونيين فقد جاء في نهاية السفر ما نصه: (36فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. 37فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. 38وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ).
صورة بالأقمار الصناعية لقرى قوم لوط بجانب البحر الميت
وهذه القصة تؤكد بشكل واضح على التحريف الذي أصاب التوراة فمن الواضح أن هذه القصة اختلقها بعض أحبار اليهود لهدف واحد وهو اتهام الأمم الأخرى بأنهم أولاد زنى وأنهم هم فقط شعب الله المختار. ولقد شرحنا في مقالة سابقة بعنوان (ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون) قصة لوط عليه السلام مع قومه الذي أرسل إليهم وكان مدار المقالة هو الإعجاز في تأكيد القرآن الكريم على وجود أدلة واضحة تؤكد على ما حل بالقوم من عذاب أليم.
وسنشرح في هذه المقالة طبيعة العذاب الذي حل بقوم لوط على ضوء الصور المأخوذة من الأقمار الصناعية وكذلك من الأرض واستنادا إلى الأبحاث العلمية التي أجريت حديثا على التركيب الجيولوجي لمنطقة البحر الميت وإلى الدراسات التي أجريت على حجارة المنطقة المدمرة.
لقد أكد القرآن الكريم في أكثر من آية على وجود أدلة واضحة تركها الله سبحانه وتعالى في المنطقة المدمرة لتؤكد صدق ما حل بالقوم من عذاب ولتكون عبرة لمن يأتي من بعدهم من أقوام وهذا ما لم تشر إليه التوراة كما في قوله تعالى "إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)" العنكبوت وقوله تعالى "قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34) فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)" الذاريات.