وصفان لفرعون موسى من القرآن الكريم
مسلة فرعونية أمام مبعد الأقصر
الدكتور رشدي البدراوي
أستاذ بجامعة القاهرة وباحث وكاتب إسلامي
لقد تم تخصيص هذه المقال لوصفين لفرعون موسى في القرآن الكريم إذ أن شرح هذين الوصفين – وهما مرتبطان بالآثار – سيساعد على تحديد شخصية فرعون موسى أو بمعنى آخر سيكون دليلاً إضافياً على أن رمسيس الثاني هو فرعون موسى هذان الوصفان هما:
1- قوله تعالى:
{وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [الأعراف: 137].
2- قوله تعالى: {وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ } [ص: 12].
والآن للنظر هل ينطبق هذان الوصفان على رمسيس الثاني أم لا ؟
1- الدمار الذي حاق بآثار رمسيس الثاني:
مما لا شك فيه أن الزمن يترك بصمته على المباني وتتهدم بعض أجزائها أو كلها، وقد أدرك قدماء المصريين ذلك فعملوا على أن تبقى آثارهم خالدة على مر الأزمنة والدهور، فها هي الأهرامات – وعددها يبلغ المائة – باقية وإن كان الطلاء الخارجي قد تساقط في معظمها وسقطت حجارة من بنيانها إلا أنها لا تزال قائمة رغم مرور ما يزيد عن أربعة آلاف سنة على بنائها، وكما سبق أن ذكرنا كان رمسيس الثاني أكثر الفراعين رغبة في تخليد اسمه وذكراه.
فأقام هذا العدد الهائل الآثار من معابد بها مئات الأعمدة، وأقام من المسلات عدداً يفوق ما أقامه الفراعين الآخرين مجتمعين وصنع لنفسه عدداً كبيراً ( حوالي 100) من التماثيل. منها حوالي 30 بالغة الضخامة، ووضع نفسه بين الآلهة في ما لا يقل عن 15 تمثالاً. هذا بخلاف ما تحطم وما لم يستدل عليه. بخلاف مئات بل آلاف الصور والنقوش التي تمثله في عربته وحروبه أو يستعرض الأسرى أو يعاقبهم أو تمثله في مواقف يتعبد فيها للآلهة أو يتعبد الموظفون له.
ولكننا لو فحصنا هذه الآثار لوجدنا معظمها قد تهدم ولم يبق منه إلا بعض قطع من الحجارة عليها اسم رمسيس الثاني تدل على أن أثرا ًما كان له في هذا المكان، ولعلها كانت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يبقى عدد قليل من هذه الآثار سليماً بعض الشيء لندرك عِظَم ما شيّد وضخامة التماثيل التي صنعها. إذ لو دمّرت بالكامل لاندثر ذكره ولم يستدل عليه ومن هنا كان الإبقاء على معابد النوبة سليمة، بل وقيض الله لها من يعمل على إنقاذها من الغرق في بحيرة السد العالي لتظل شاهداً على أعمال هذا الفرعون .
هذا ما تبقى من مبعد الرمسيوم المحطم بفعل زلزال النوبة العنيف الذي ضربها في حياة رمسيس الثاني (صورة مأخوذة من الجو)
ولئن كان هذا الدمار قد حدث بعد وفاة رمسيس الثاني فقد كانت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يريه – حال حياته – بعض الدمار في آثاره وهو ما لم يحدث لأحد من الفراعين قبله أو بعده، وحدث الدمار في أثرين كان رمسيس الثاني يعتز بهما أيما اعتزام: معبد أبي سمبل الكبير ومعبد الرمسيوم.
أ- الدمار في معبد أبي سمبل الكبير:
يقول عالم الآثار سليم حسن عن معبد أبي سمبل الكبير بأنه أعظم بناء أقامه إنسان في ذلك العصر وكان رمسيس الثاني قد بدأ في إقامته في السنة العاشرة من حكمه واحتفل بافتتاحه رسمياً في السنة 24 من حكمه، وتمر الأعوام ويحتفل رمسيس الثاني بالعيد الثلاثيني الأول وأقيمت احتفالات ضخمة في المعبد بهذه المناسبة ولم تمر بعد ذلك بضعة أشهر حتى حدث زلزال شديد ضرب منطقة النوبة واهتزت المنطقة، وما حدث بمعبد أبي سمبل الكبير كان مأساة مفجعة كما يقول العلام كتشن Kitchen( فرعون المنتصر ص 135) إذ تشققت الأعمدة الضخمة وتكسر بعضها وأنها، وكذلك انهار العمود الثاني والتمثال الملكي في الجانب الشمالي من الحجرة الأولى وتحول إلى حطام وكذلك أصاب الدمار الواجهة ذاتها – إذ انهارت الدعامة الشمالية لباب المدخل الرئيسي وسقطت ذراع التمثال الأول من الناحية الشمالية والمجاور للباب. ولكن الخسارة الكبيرة كانت في سقوط النصف العلوي بأكمله للتمثال الجنوبي: الرأس والذراعين والأكتاف، وتكسرت اللوحات على الحوائط وكان المنظر فظيعاً والموقف حرجاً بالنسبة لنائب الملك على منطقة النوبة ( باسر) ولم يكن في وسعه أن يقف مكتوف اليدين أمام هذا الدمار، وبدأ على الفور خطوات الإصلاح التي كللت بالنجاح إلى حد كبير، وأعيد بناء الأعمدة التي سقطت أو تصدعت. وتم تدعيم أعمدة القاعة الكبرى بمباني، وهذه أتاحت مساحة إضافية لنقش مباركة من الإله (بتاح) مؤرخة بالعام 23 من حكم رمسيس الثاني، وأعيدت ذراع التمثال التي سقطت وتم سندها بقطعة من الحجر كتب عليها اسم رمسيس الثاني وأعيد بناء دعامة الباب ولكنها تركت خالية من النقوش. وكان هذا أقصى ما أمكن للوزير (باسر) عمله، ولعل ذلك الترميم لم يلق قبولاً تاماً لدى رمسيس الثاني فعين بدله نائباً آخر للنوبة، وكان هذا النائب الجديد هو المبعوث الحيثي هوى huyالذي كان مرافقاً للأميرية الحثية عند حضورها إلى مصر للتزوج من رمسيس الثاني. وقد عينه نائباً له على النوبة لمدة 4 سنوات ( 24-28) ولكنه لم يفعل الكثير في ترميم معبد أبي سمبيل ثم تولى بعده هذا المنصب (سيتاو) Setauوظل فيه لمدة ربع قرن تقريباً (من 28 إلى 63) كان سيتاو نشطا ًومثابراً وكتب على لوحة: لقد عينت نائباً للملك على النوبة، وقد وجهت الفلاحين بالآلاف وعشرات الآلاف ومن النوبيين مئات الآلاف وقد أُوكلت إلى مهمة بناء معبد رمسيس الثاني في الضفة الغربية ( وهو معبد أبي سمبل ) وقد أعدت بناء معابد النوبة كلها تقريباً والتي كانت قد سقطت إلى حطام، وقد أعيدت كأنها جديدة باسم جلالته العظيم. ودوّن ذلك تذكاراً ليبقى إلى الأبد، وبالرغم من ذلك لم يستطع إعادة الرأس إلى مكانه فبقي ملقى على الأرض، وحتى لما قامت منظمة اليونسكو برفع المعبد إلى مكان أعلى من مكانه الأصلي حتى لا تغرقه مياه بحيرة السد العالي فإنها حافظت على حاله وتركت أجزاء التمثال المهشمة كما كانت.
صورة لواجهة معبد أبي سنبل لا يزال رأس أحد التماثيل الضخمة محطماً أمام المعبد بفعل زلزال النوبة
وفي العام 44 قام النائب (مستاو) ببناء باقي المعابد التي في الضفة الغربية وهي معبد السبوعة ومعبد جرف حسين، وسخّر في بنائها أسرى ليبيين، إذ وجدت لوحة كتبها ضابط اسمه (راموس) يقول فيها: السنة 44: أمر جلالته – نائبه في النوبة، المخلص (ستاو) بالإضافة إلى وحدة من جيش رمسيس الثاني – يحميه والده آمون – بأن يؤخذ أسرى من أرض الليبيين لبناء معبد رمسيس الثاني وقد أمر جلالة الملك الضابط راموس بتجريد حملة من الجنود لهذا الغرض..... وهكذا أغارت فرقة الجيش على جنوب ليبيا في الصحراء الغربية وقامت بتسخير هؤلاء الأسرى في ترميم ما تهدم وفي بناء معبد السبوعة وجرف حسين ( كتشن – فرعون المنتصر ص 138).
ب- تصدع الرمسيوم:
كان معبد الرمسيوم أسوأ حظاً، إذ لما أصابه الزلزال لم يمكن إعادته إلى حالته الأصلية كما حدث في أبي سمبل.
قلنا إن الرمسيوم وهو المعبد الجنازي – بناه رمسيس الثاني ليكون مكاناً فاخراً لحياة أخرى له حيث تقام الشعائر لتبجيله وتعظيمه إلى الأبد وكان يسمى في المصرية القديمة ( بيت ملايين السنين المتحدة مع طيبة ) ولكن الأمور لم تسر كما كان يهوى الفرعون فقد أصاب الزلزال معبد الرمسيوم هو الآخر بضرر بالغ، فقد سقط النصف العلوي من التمثال البالغ الضخامة الذي كان مقاماً في الردهة الأولى. سقط الرأس والأذرع والكتفين والصدر كتلة واحدة وتهدمت البوابة تماماً، ولا يزال نصف التمثال هذا ملقى على الأرض منذ سقوطه.
إذ يبدو أنه كانت هناك صعوبات فنية تحول دون إعادته إلى مكانه فوق الرجلين. وسقطت كذلك رؤوس التماثيل الأصغر حجماً التي كانت مقامة في الردهة الثانية ولا شك أنها قد رممت وأعيدت إلى مكانها إذ هي الرؤوس والتيجان فقط ولكنها بمضي الوقت سقطت ثانية وقد رأى الرحالة الإنجليزي شيلي (التمثال المحطم ) فقال فيه الشعر التالي:
ساقان ضخمان من الحجارة بلا جسد.... تقفان في الصحراء.
وعلى مقربة منهما جسم مهشم يرقد..... نصف مطمور في الرمال..
اسمي أوزيمندياس ( رمسيس الثاني باليونانية)... ملك الملوك..
انظر إلى أعمالي العظيمة وتحسّر... لا شيء يبقى أو يصمد للبلى..
حطام تمثال ضخم وأمامه الصحراء لا محدودة..
برمالها المستوية تمتد إلى البعيد البعيد..
رأس التمثال الضخم الذي كان مقاماً في نهاية الردهة الأولى في معبد الرمسيوم وقد سقط بفعل الزلزال
أربعة من التماثيل الأوزيرية لرمسيس الثاني التي كانت مقامه في الردهة الثانية لمعبد الرمسيوم وقد سقطت الرؤوس والتيجان. أما الأربعة المقابلة لها فقد تحطمت تماماً.